مقالات

العالم الإسلامي يضحي بالمستقبل مقابل الحلم بالماضي

إنه نمط مقلق من السلوك في العالم الإسلامي: حيث يقضي الانسان المسلم الكثير من وقته في الحنين والشوق للماضي الإسلامي والتأسف لفقدانه. هناك حاجة إلى مارتن لوثر إسلامي لمواجهة هذا السلوك.

صورة المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة في عام 2011.

أثناء وبعد الربيع العربي في عام 2011 ، حقق السلفيون تقدمًا كبيرًا في الانتخابات. واعتبر السلفيون تقدمهم بمثابة الإنتصار إلالهي وعلامة على أن الله قدم لهم أخيرًا يد العون بعد 1400 عام من الغياب.

 

صفحة الحوار

13 نوفمبر 2016

أسامة الهباهبه

صحيفة الانفورماشيون الدنماركية

 

عندما أنظر الى العالم العربي الإسلامي ، فكأني أرى إنسان يتنفس بصعوبة ويقف على مفترق طرق دون أي فكرة عن الاتجاه الذي يجب أن يسلكه. هذا  الإنسان يرفع صوته صارخا بإتهام الغرب والإمبريالية وإسرائيل ومؤامراتهم بانها السبب في انهيار عالمه.

السلفيون يقومون بتوسيع هذا التفسير قليلاً:  ان السبب الرئيسي لهذا الانهيار هو تخلى المسلم عن الإسلام النقي. وسيكون كل شيء جيدًا ويتوقف الانهيار لو عاد المسلمون إلى تعاليم الإسلام النقي كما كان يمارس في الخلافة قبل 1400 عام. وهنا فان الخطوة الأولى هي حل الدولة الوطنية واستبدالها بدولة دينية. ويجب الاسراع  بهذه الخطوة.

في هذه العقلية ، يتم ربط هوية الشعب العربي ( بمختلف دياناته) بالإنتماء الديني الإسلامي وليس بالانتماء الوطني أو الجغرافي. أي أن نموذج الدولة الوطنية فشل وأدى الى ابعاد العرب المسلمين عن علاقاتهم الوثيقة مع الله ، كما يقول السلفيون.

إنه لأمر جديد نسبيًا أن هذه العقلية بدأت بالانتشار في العقود القليلة الماضية. ففي أوائل القرن العشرين، اتفق الليبراليون والإسلاميون على أهم أهداف كفاح التحرر العربي, ونجحت الأيديولوجية القومية بضمان مشاركة الجماهير الواسعة في المعركة ضد الاستعمار وأدت إلى بناء قوي للأيديولوجية العربية القومية في الخمسينيات من القرن الماضي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر, حيث كان محور نموذج الدولة العربية هي القومية العربية وليس الانتماء الديني الإسلامي.

وجائت الهزيمة العربية عام 1967 امام اسرائيل كأنفجار وهزة ارضية للذات والهوية العربية ، وبدأت مسيرة انهيار الحلم العربي الذي كان مبنيًا على الرؤى العلمانية والقومية ، وتم استبداله بالإيديولوجيات الإسلاموية التي أعلنت أن “الإسلام هو الحل”

الحل الإسلاموي

منذ سبعينيات القرن الماضي بدأ ملايين الاسلاوميين العرب بإستخدام الإسلام كمصدر للهوية ، ورؤية الحياة ، والشرعية والأمل.

إن إحياء الماضي هو المرحلة الأخيرة في مساعي تكييف الحضارة الإسلامية مع الحداثة ومحاولة لإيجاد حلول لا تحاكي الأيديولوجيات الغربية ولكنها تستند إلى الإسلام نفسه.

بالنسبة لدعاة هذه المحاولة ، فيشمل هذا التزام بالعودة إلى النسخة النقية من الإسلام.

هذا الخطاب الذي يستخدمه المتطرفون الإسلامييون هو تحويل الرفض الإسلامي للحضارة الغربية إلى حركة جماهيرية شعبية انتشرت في مصر ثم إلى العديد من الدول العربية الأخرى.

إن السلفية الإسلامية ، التي تسمى أيضًا الإسلام السياسي ، ليست سوى واحدة من مكونات إنعاش واسع للأفكار والمعتقدات وإعادة دمج الجماهير بالإسلام ، والتي يمارسها السلفيون الآن. ويتجلى إحياء الماضي  من خلال الاهتمام المتزايد في الخلافة كنموذج للدولة، أي نمودج دولة ونظام حكم يجمع جميع المسلمين في العالم تحت نفس الوحدة السياسية. وهنا فان الدستور هو الشريعة ، استنادًا إلى القرآن واحاديث النبي ، في حين فأن الزعيم ، يسمى الخليفة، يمارس سلطته كممثل لله ووريث النبي.

الدعوة والاحياء

عززت الحروب في العراق وسوريا رؤية الحل الإسلامي في العراق وسوريا واضطرابات تونس ومصر وليبيا. خلال وبعد ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011 ، حقق السلفيون  تقدمًا كبيرًا في انتخابات تونس في عام 2011 ، ومصر في عام 2012 والمغرب والأردن (كلاهما في عام 2016). واعتبر السلفيون تقدمهم بمثابة الإنتصار إلالهي وعلامة على أن الله مد أخيرًا يد العون لهم بعد 1400 عام من الغياب. إنهم مقتنعون الآن بأنهم يقتربون ببطء ولكن بثبات من تحقيق الخلافة. مؤشر هذا الانتصار كان الربيع العربي لبداية عصرالخلافة الجديد.

الإجابة الأولى على تلك الدعوة جائت في يونيو 2014 مع إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تم إعلان دولة الخلافة في سوريا والعراق ونشرت حروبها في المنطقة وفي الغرب الكافر لبناء الدولة الدينية.

الطريق إلى هذه الدولة يتم من خلال الالتزام بأنظمة الإسلام واحاديث النبي ، وان الإسلام هو الدين الأخير والوحيد الذي يقبله الله. لذلك ، يجب على المسلم الحقيقي محاربة جميع الأديان الأخرى.

السلفيون يقسمون العالم إلى فصيلين منافسين: المؤمنين أو غير المؤمنين (الكافرين) ، نحن أو هم – ولا يمكن أن يكون هناك أي تعايش بين الاثنين – بنفس الطريقة التي يقول بها السياسيون الغربيون الحاليون و الديماغوييون: الغرب هو الغرب ، والشرق الأوسط هو شيء آخر ولا يمكن أن يجتمع اثنان.

لا يعتقد السياسيون الغربيون المعتدلون أن الغرب لديه مشكلة مع الإسلام. بالنسبة لهم ، فان المشكلة ليست سوى بعض الإسلاميين الراديكاليين. لكن تاريخ اخر اربعة عشر قرن تقول شيئًا مختلفًا تمامًا. العلاقة بين الإسلام والمسيحية عادة ما كانت عاصفة. في بعض الفترات ، ساد التعايش السلمي ، ولكن في كثير من الأحيان كانت العلاقة تتميز بالتوتر ودرجات مختلفة من الحرب الباردة الدينية.

على مدار الثلاثين عامًا الماضية ، اتخذ السلفيون مهمة الوفاء بتعليمات الله من خلال تحويل غير المسلمين إلى الإسلام – أولاً باستخدام الكلمات ثم بالإكراه. إنه سيناريو رعب و ارهاب السلفيين ، وبسببهم يرتبط الإسلام والمسلمين بشكل متزايد بالإرهاب في جميع أنحاء العالم.

 

العودة إلى الماضي

بالنسبة للمجموعات السلفية ، بدأ العد التنازلي الآن ، والرحلة إلى الماضي جارية على قدم وساق: العودة إلى العام 600 ميلادي بعد التخلي عن حضارة القرن الحادي والعشرين.

إنه نمط مقلق من السلوك في العالم الإسلامي: حيث يقضي الانسان المسلم الكثير من وقته في الحنين والشوق للماضي الإسلامي والتأسف لفقدانه. فيما وفي نفس الوقت يتم استثمار القليل جدا من الوقت في التفكير في المستقبل والعالم الذي يريد هذا الانسان ان يتركه لأطفاله.  لقد ضحى المرء بالمستقبل من اجل إستعادة الماضي.

مع هذا النهج الذي يشبه الحلم في الماضي ، حدثت تغييرات جذرية في فهم الذات عند بعض المسلمين العرب. الاحظ هذا عندما التقي بهم في العالم العربي وحتى هنا في الدنمارك.

ان تيار تقديس الماضي يتم مقاومته من اتجاه أكثر اعتدالًا يجادل بأنه يجب على المرء أن يتحرك ويتطلع إلى الأمام وان يحاول تحديث الإسلام ، وأن السلفيين ما هم إلا أقلية.

لكن الجزء الأخير من هذا التبرير يصعب للأسف إثباته بشكل مقنع, ذلك ان السلفيين اليوم هم مجموعة دينية قوية للغاية في الإسلام. ويظهر ذلك من خلال التقدم الكبير الذي احرزوه في الانتخابات في عدد  من الدول العربية.

وهناك قلق من أن المستقبل سيواجه لسوء الحظ مزيد من الانهيار والانحطاط والكوارث والحروب والإرهاب والعسكرة الطائفية، لا يمكن تجنبها إذا لم يتخلى السلفيون عن وهْم فرض الخلافة في العالم.

الأمل الوحيد هو أن تظهر من بين مجموعات الاسلام المعتدل شخصية كاريزماتية – نوع من مارتن لوثر إسلامي – قادرة على صياغة الحاجة إلى تحديث الإسلام.

من المشكوك فيه ما إذا كان الإصلاح والتحديث سيقنع السلفيين ، لكن حركة الإصلاح ستعزز المسلمين المعتدلين وذوي الفكر الحر في الفوز بالمعركة عليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى