Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحليلرأي

الشرق الاوسط … موت حل الدولتين

اليوم، قد يبدو الحديث عن دولة واحدة ذات ديانات وأعراق متعددة هو حديث مثالي طوباوي خيالي ، لكنه الحل الوحيد لأطول حرب في التاريخ الحديث. يتطلب تنفيذ هذا الحل تغييرا كبيرا في السياسة الدولية تجاه نظام الفصل العنصري في إسرائيل.

إن انهاء الحرب في الشرق الأوسط بإنشاء دولتين، إسرائيل وفلسطين، قد مات فعليا وهناك عدة أسباب لذلك, وأهم سببين هما اولا أن إسرائيل ترفض هذا الحل وثانيا أنه أصبح الآن مستحيلا من الناحية الديموغرافية، حيث يسكن حاليا اكثر من  750000 مستوطن يهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في انتهاك كامل للقانون الدولي.

إن موت حل الدولتين يرجع أيضا إلى حقيقة أن المجتمع الدولي لم يبذل أي جهد فعلي منذ عقود للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي. و يواصل هذا المجتمع الحديث عن حل الدولتين كحل للصراع العربي الإسرائيلي، ولكن وبنفس الوقت لا يريد الاعتراف بأن هذا الحل قد فشل.

لذلك لم يتبقى سوى احتمال حل الدولة الواحدة لفلسطين في الوقت الحاضر، وهو الحل الفعلي الواقعي الموجود على الأرض اليوم، أي الدولة الإسرائيلية العنصرية. لكن ما ينبغي العمل من أجله هو ايجاد طريقة لتحويل هذا الواقع العنصري إلى واقع ديمقراطي.

موت اتفاق أوسلو للسلام

بعد مرور أكثر من 30 عاما على اتفاق أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يطرح السؤال نفسه ما إذا كان السلام  “الأوسلوي”  قد تحقق بين الطرفين بأي شكل من الأشكال؟

وهنا من المهم التذكير بمرتكزات اتفاق أوسلو لعام 1993 – عندما اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ببعضهما البعض – والتي كانت إنشاء سلطة فلسطينية مؤقتة  وبنفس الوقت الاتفاق على تأجيل المناقشات حول الوضع النهائي، أي القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأنظمة الأمنية.  ونص الاتفاق على اختتام المفاوضات بعد خمس سنوات من إنشاء السلطة الفلسطينية، التي ينبغي أن تسفر عن تسوية سلمية دائمة للقضية الفلسطينية في مايو 1999.

قوبل الاتفاق بمعارضة فلسطينية وعربية وإسرائيلية، لكن الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات قال بأن اتفاقات أوسلو يمكن أن تشكل الأساس لإقامة تدريجية لدولة فلسطينية مستقلة.

لا يمكن تحقيق الحقوق الفلسطينية على طاولة المفاوضات،

بل من خلال النشاط والمقاومة والنضال.

 

في أكتوبر 1994، بعد عام من توقيع اتفاقات أوسلو بين الرئيس ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، منحت جائزة نوبل للسلام لعرفات ورابين “لجهودهما لتحقيق السلام في الشرق الأوسط”.

وبعد عام آخر، في 4 نوفمبر 1995، اغتيل اسحق رابين في تل أبيب خلال نهاية مظاهرة لدعم اتفاقات أوسلو. وكان المهاجم هو إيغال عمير، وهو قومي إسرائيلي متطرف عارض بشكل جذري مبادرة رئيس الوزراء إسحاق رابين للسلام، وخاصة توقيع اتفاقات أوسلو.

توفي ياسر عرفات عن عمر يناهز 75 عاما في 11 نوفمبر 2004. وقال أطباء فرنسيون إن الوفاة كانت نتيجة نزيف في المخ، لكن هناك أيضا نظريات بأنه تم اغتياله بالسموم.

وعلى الرغم من أن اتفاق أوسلو لم يذكر حرفيا  قيام دولة فلسطينية بعد خمس سنوات، إلا أن أطرافا فلسطينية وعربية ودولية كانت تأمل في ذلك، الأمر الذي أدى إلى قبول مبدأ حل الدولتين والمبادرة بعدة مبادرات دولية لتحقيق ذلك.

وبعد أكثر من 30 عاما، يبدو واضحا أن الآمال والفرضيات التي استند إليها الاتفاق قد نسفت.

وكانت الفرضية الأولى هي أنه يمكن اختتام المفاوضات وإقامة سلام فعال بين الطرفين بعد خمس سنوات. واليوم، من الواضح تماما أنه لم تعد هناك أي مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية وأن الهوة بين الجانبين أعمق بكثير مما كانت عليه قبل 30 عاما.

أما الفرضية الثانية فكانت أن الفصل بين الجانبين يمكن أن يمهد الطريق لحل الدولتين. ولكن اليوم، أدت استراتيجية الاستعمار الصهيوني، وعملية الاستيطان، إلى زيادة عدد المستوطنين غير الشرعيين. ففي وقت التوقيع  عام 1993، كان عددهم 250,000 ، ولكن استمر المواطنون الأمريكيون والروس والأوكرانيون من ذوي الخلفيات اليهودية بشكل خاص في الإستيطان المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني على الرغم من الإدانات الدولية التي لا حصر لها (آخرها من قبل الأمم المتحدة في يونيو 2023). واليوم، هناك أكثر من 750,000 مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما يجعل إمكانية الفصل بين الطرفين مستحيلة.

والفرضية الثالثة هي أن الفترة الانتقالية ستساعد على بناء الثقة بين الطرفين، مما يمكن أن يساعد في المفاوضات بشأن الوضع النهائي. الوضع اليوم هو أنه لا توجد اي ثقة بين الطرفين، وأن المجتمع الإسرائيلي اصبح مجتمع ديني عنصري، مع أقلية صغيرة فقط في الكنيست تدعو إلى مفاوضات من أجل حل الدولتين.

وراء التأييد اللفظي لحل الدولتين

لقد تنامت الكراهية والعداء بين الجانبين بشكل كبير منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة قبل عام.

إن موقف الحكومة الإسرائيلية اليوم هو رفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفض إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

وعلاوة على ذلك، ليس هناك أي احتمال لوصول حكومة علمانية وسطية اسرائلية جديدة إلى السلطة في أي وقت قريب.  إن استيلاء اليمين العنصري على السلطة من قبل المجتمع الإسرائيلي مستمر منذ 20 عاما.

الانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي اليوم ليس بين مؤيدي ومعارضي عملية السلام، كما كان في السابق، بل بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه.

إن رفض إقامة دولة فلسطينية يحظى بإجماع واسع في الكنيست والمجتمع الإسرائيلي اليوم.

ومن اللافت للنظر أن موقف المجتمع الدولي، بما في ذلك الحكومة الدنماركية، هو عدم إدانة قرار الكنيست برفض حل الدولتين. بدلا من ذلك، يدعو  الاتحاد الأوروبي والدنمارك مرارا وتكرارا الى دعم حل الدولتين! ويأتي هذا الموقف في أعقاب الخطاب الأمريكي المؤيد اللفظي لحل الدولتين دون أي خطة على الإطلاق لتطبيقه. ويسعى المجتمع الدولي تجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل بأي ثمن. وهو موقف تشعر إسرائيل بارتياح كبير تجاهه، لأنه يساعد إسرائيل على ضم المزيد من الأراضي، وزيادة عدد المستوطنات، ووضع حل الدولتين في القبر ، بينما يكرر المجتمع الدولي ليلا ونهارا الدعم اللفظي لحل الدولتين.

الرفض الإسرائيلي لدولة فلسطينية

أنهى رفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية عقودا من الآمال في حل الدولتين عندما صوتت غالبية الأحزاب الإسرائيلية في الكنيست في يوليو 2024 لصالح قرار يرفض إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وهكذا وصل المجتمع الإسرائيلي إلى هدفه في رحلته نحو دولة فصل عنصري شمولية ترتكب الإرهاب وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة ولبنان والبلدان المحيطة. دولة فصل عنصري تنتهك حقوق الإنسان بلا خجل.

وبهذا القرار، تبعث الحكومة الصهيونية بعدة رسائل، بما في ذلك رسالة واضحة إلى القيادة الفلسطينية مفادها أنه لا يوجد اقتراح تسوية  وأنه لا يوجد في الواقع أي جناح في السياسة الإسرائيلية يريد السلام مع الفلسطينيين.

يشير القرار إلى أن إسرائيل دفنت اتفاقات أوسلو مع العديد من الأطفال والبالغين الفلسطينيين تحت أنقاض غزة وأرسلت وهم حل الدولتين إلى أشلاء.

وهذا يوضح أنه لا يمكن تحقيق الحقوق الفلسطينية على طاولة المفاوضات، بل من خلال النشاط والمقاومة والنضال.

الرسائل الإسرائيلية

لقد بعثت إسرائيل برسالة على المستوى الدولي مفادها أنها لا تهتم بالإدانات الدولية واعتراف بعض الدول بفلسطين.  لا تشعر اسرائيل بالخجل من تنفيذ الإرهاب في دول أخرى أو قصف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان .

إن الخطاب الأمريكي بأنهم “غير سعداء” بالقرار الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية لا يؤخذ على محمل الجد في تل أبيب لسبب وجيه. عمليا، هذا يعني اعطاء الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي لمواصلة عملياته الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لذلك يجب أن ندين ليس فقط قرار الكنيست، ولكن أيضا التواطؤ الأمريكي.

ويؤكد التصويت في الكنيست على الجبهة الموحدة للحركة الصهيونية ضد حقوق الفلسطينيين ويمنح بنيامين نتنياهو الدعم لإسقاط أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية، تاركا للشعب الفلسطيني خيارا واحدا فقط: المقاومة والنضال.

ليس أمام السلطة الفلسطينية في رام الله خيار سوى إلغاء الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل ووقف أي شكل من أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل. مثل هذا القرار من قبل السلطة الفلسطينية يمكن أن يوفر فرصة لتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة تعمل على برنامج يهدف إلى تحرير البلاد.

حل الدولة الواحدة

يقوم حل الدولتين على دولة/مجتمع يريد الانفصال إلى كيانين قانونيين والعيش بسلام جنبا الى جدنب .

وهذا الخيار عفا عليه الزمن بعد انتهاك إسرائيل لاتفاقات أوسلو لعام 1993. والحل اليوم هو إنهاء الاحتلال، ما يعني أن على السلطة القائمة بالاحتلال أن تفي بالتزاماتها بموجب جميع القرارات والقوانين الدولية.

حل الدولة الواحدة هو اقتراح لحل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس إقامة دولة واحدة في فلسطين، تشمل ما يعرف اليوم بإسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يتمتع السكان العرب واليهود بمواطنة وحقوق متساوية في دولة موحدة. وبينما يدعم البعض هذا الحل لأسباب أيديولوجية، يرى آخرون أنه الحل الوحيد الممكن بالنظر إلى الوضع الحالي. إنه عكس التمسك بحل الدولتين الذي ركزت عليه محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ اتفاقات أوسلو.

الدعوة إلى حل الدولة الواحدة تاريخيا

في وقت مبكر من عام 1944، صاغ الحزب الشيوعي الفلسطيني موقفه بالدعوة إلى التطور الديمقراطي لفلسطين والتحرر من التأثيرات والنفوذ الخارجية في ظل دولة واحدة، في حين دعت عصبة التحرر الوطني، التي ضمت شيوعيين عرب، في نفس العام إلى إنهاء الانتداب البريطاني وإقامة حكومة ديمقراطية فلسطينية مستقلة. وجاءت هذه الدعوة قبل قرار تقسيم فلسطين الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1947.

بعد حرب عام 1967، اقترحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكذلك حركة فتح، حل الدولة الواحدة لجميع مواطني فلسطين وإسرائيل تحت عنوان “دولة ديمقراطية علمانية”.

يعتقد أحمد جبريل، أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أن الحل الأكثر إنصافا للجميع هو إقامة دولة ديمقراطية للتعايش السلمي، تنص على حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، وأن تجري الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

اليوم، قد يبدو الحديث عن دولة واحدة ذات ديانات وأعراق مختلفة مثاليا وطوباويا، لكنه الحل الوحيد لأطول حرب في التاريخ الحديث.

يتطلب تنفيذ هذا الحل تغييرا كبيرا في السياسة الدولية تجاه نظام الفصل العنصري في إسرائيل، وأن تجبر إسرائيل والفلسطينيين على تنفيذ هذا الحل تحت قيادة مؤقتة لإدارة دولية. بعد ذلك، يجب إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية، تحت رقابة دولية، لدولة يجب أن تضم جميع مجتمعات السكان الأصليين التي يمكن أن تعيش بشكل سلمي.

لقد فعلوا ذلك في فلسطين قبل وصول اللاجئين اليهود هربا من معاداة السامية الأوروبية (الهولوكوست) والمستعمرين الصهاينة في عام 1948 ، حيث عاشت الديانات الإبراهيمية الثلاث معا في سلام جنبا إلى جنب.

جنوب أفريقيا هي مثال على كيفية التحول من دولة استعمارية مع نظام الفصل العنصري إلى دولة ديمقراطية حيث تتعايش جميع المجموعات السكانية بسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى