تحليلمقالات

إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة!

هجمات حماس برهنت على أن التفوق العسكري الإسرائيلي لن يحل الصراع الفلسطيني الأسرائيلي

 هذا ليس اقتباسا من مقاتل في حماس أو أمنية أحد ثوار حركة التحرر الوطني الفلسطيني. هذا تصريح للصحفي والكاتب الإسرائيلي آري شافيت، الذي كان مراسلا مرموقا في صحيفة هآرتس الإسرائيلية لسنوات عديدة.

كتب آري شافيت هذا  في مقال افتتاحي في سبتمبر 2016 ، حيث خلص إلى ما يلي: “يبدو أننا تجاوزنا نقطة اللاعودة ، وقد لا يكون من الممكن لإسرائيل إنهاء الاحتلال ووقف المستوطنات وتحقيق السلام” “يجب أن نتابع النظر بهدوء الى إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة”

ويشير أيضا آري شافيت إلى كاتب وصحفي إسرائيلي آخر، هو روغل ألفر، الذي تنبأ أيضا بنهاية الأمة الإسرائيلية، وبالتالي يشجع الإسرائيليين على العودة إلى الدول الأوروبية التي هاجروا منها إلى إسرائيل.

ويضيف آري شافيت: “يجب أن نفعل ما  اقترحه روجل ألفر قبل بضع سنوات – مغادرة البلاد. إذا لم يكن الإنتماء الإسرائيلي اواليهودي عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان كل مواطن إسرائيلي يحمل جواز سفر أجنبي، ليس فقط بالمعنى التقني، ولكن أيضا بالمعنى النفسي، فإن الأمر قد عفا عليه الزمن.

المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس هو أحد أشهر وجوه حركة “المؤرخون الجدد”، وهو مصطلح يستخدم في إسرائيل لمجموعة من المؤرخين الذين يتناقضون مع السردية الإسرائيلية للصراع مع العرب ويعترفون بأن الصهاينة ارتكبوا عمليات قتل وطردوا الفلسطينيين.

هذا لا يعني أن جميع “المؤرخين الجدد” يعترفون بمسؤولية إسرائيل عن هذه الجريمة التاريخية. لديهم وجهات نظر مختلفة في دراساتهم لهذا التاريخ ، موريس ، على سبيل المثال ، لا يرى أي خطأ في التطهير العرقي ويعتقد أن اليهود يجب أن يفعلوا كل ما يلزم لحماية أنفسهم.

لكن موريس يقدم معظم أفكاره بنفس الواقعية التاريخية الجديدة، حيث وفي  مقابلة في يناير 2019 مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، توصل إلى الاستنتاج التالي: “لا أرى أي مخرج لنا”، عندما يتعلق الأمر بفرص إسرائيل البقاء كدولة يهودية.

“اليوم هناك عرب أكثر من اليهود بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. هذا البلد كله سيصبح حتما دولة واحدة ذات أغلبية عربية”.

“لا تزال إسرائيل تسمي نفسها دولة يهودية، لكن طريقتنا في حكم شعب محتل بدون حقوق ليست وضعا يمكن أن يستمر في القرن الحادي والعشرين وفي العالم الحديث. بمجرد حصولهم ( الفلسطينيين) على حقوق، لن تكون الدولة يهودية بعد الآن”، كما جاء على لسان موريس.

هذه التصريحات الإسرائيلية تؤكد ما قاله المؤرخ الدنماركي مورتن ثينك في كتابه

إسرائيل، مجتمع فاشل، دولة فاشلة“.

يكتب مورتن ثينك أن إسرائيل ظهرت إلى حيز الوجود من قبل اليهود الذين قاموا بطرد سكانها الفلسطينيين. وكذلك فأن بناء الدولة اليهودية برمته يعتمد على العنصرية، أي انه ليس ضد الفلسطينيين فحسب، بل يتم النظر الى اليهود العرب أيضا في مستوى حضاري أدنى من اليهود الأوروبيين.

هجمات حماس برهنت على أن التفوق العسكري الإسرائيلي لن يحل الصراع

تصريحات الإسرائيليين الثلاثة المذكورة أعلاه تثير السؤال هنا لما بعد تاريخ  السابع من اكتوبر حول ما سيحدث بعد حرب غزة وانتصار إسرائيلي محتمل على حماس.

الهجوم المفاجئ لحماس في السابع من اكتوبر يظهر أن التفوق العسكري لن يحل الصراع، وهو  الحال ايضا بالنسبة لجميع اتفاقيات السلام والتطبيع مع الدول العربية.

وقد أظهرت عملية حماس الأخيرة قدرتها المهنية العالية على إلحاق خسائر غير مسبوقة في الأرواح والبنية التحتية بإسرائيل، في حين أعادت الأمل للأجيال الفلسطينية الشابة التي فقدت الثقة في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو في المجتمع الدولي لتلبية تطلعاتها الوطنية.

قرر هذا الجيل أن يأخذ زمام الأمور بنفسه، وبتخطيط دقيق، نفذ هجوم 7 أكتوبر، وهو أمر لم يتمكن العالم العربي من القيام به لفترة طويلة جدا.

هجوم حماس يثير عدة أسئلة سيكون من المفيد دراستها للمجتمع الدولي:

  • يتعلق السؤال الأول بدرجة المفاجأة التي أبداها المجتمع الدولي تجاه هذا الهجوم.

قد يفاجئ حجم الهجوم وتوقيته ومهنيته وفعاليته الجميع ، لكن لا ينبغي لأحد أن يفاجأ بحدوثه.

فبعد عقود من الحصار الخانق للفلسطينيين في غزة، وغياب مسىاعي المجتمع الدولي لإحلال أي حل سياسي منذ فترة طويلة، والغطرسة والعنصرية التي أبدتها إسرائيل، خاصة في ظل الحكومة الحالية، من المستغرب أن هذا الهجوم لم يحدث في وقت سابق.

  • السؤال الثاني يتعلق باتفاقيات التطبيع الإبراهيمية مع الدول العربية.

يبرهن الهجوم في السابع من اكتوبر على أن تركيز المجتمع الدولي على هذه الاتفاقات، مع استمراره في تجاهل جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو سياسة ناقصة ولن تنجح.

كان جوهر كل اتفاقيات السلام والتطبيع هذه وهدفها الرئيسي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق التطلعات الوطنية للفلسطينيين، ولكن تم تنحية ذلك الجوهر جانبا نوعا ما.

ويدحض الهجوم بوضوح تصريحات نتنياهو صباحا ومساء بأن السلام مع الفلسطينيين ليس ضروريا طالما أن إسرائيل تستطيع التطبيع مع الدول العربية المجاورة دون التوصل إلى حل مع الفلسطينيين.

 

ماذا عن المستقبل؟

لدراسة النتائج الحالية والمستقبلية لحرب غزة، ينبغي العودة إلى التاريخ. لأن التاريخ يبين أنه لا يمكن أن يتم النجاح في القضاء على حركة تحرر،  لان حركة التحرير تنشأ ردا على الاحتلال والاستعمار. لا يمكن أن تنتهي حركة التحرير ما لم يتم القضاء على سبب ظهورها.

وإذا تم النجاح في القضاء عسكريا على حركة تحرر، ستظهر حركة جديدة وتستخدم التجارب السابقة لتصبح أفضل.

لقد علمنا التاريخ أن الأزمات في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أدت إلى العديد من العمليات السياسية.

أدت حرب أكتوبر 1973 إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979. أدت الانتفاضة الأولى في عام 1987، تلتها حرب الخليج الأولى في عام 1990، إلى مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 ثم اتفاقات أوسلو للسلام في عام 1993.

لكن الظروف مختلفة اليوم.  إن الحكومة الإسرائيلية اليوم في أوج تطرفها وعنصريتها، ولا توجد مفاوضات جادة بشأن عملية السلام.

 

%75  من الفلسطينيين يؤيدون حماس

أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فستصبح أكثر عرضة لما فعلته حماس، ولن تكون قادرة على الاستمرار في الادعاء بأنها تمثل الشعب الفلسطيني.

ويظهر الاستطلاع الأخير  أن 75% من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة يؤيدون هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر.

وتم إجراء الاستطلاع في الفترة ما بين 31 أكتوبر وحتى 7 نوفمبر من قبل مركزالعالم العربي للبحوث و التنمية (أوراد)، بمشاركة 668 فلسطينيا في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الأسبوع الرابع من الحرب المستمرة على غزة.

وكانت الأسئلة على النحو التالي:

إلى أي مدى تؤيد العملية العسكرية التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في 7 أكتوبر؟

كان الجواب: إلى حد كبير 59.3% وإلى حد ما 15.7%. في المجموع فإن 75% من الفلسطينيين يؤيدون حماس.

 

وفيما يتعلق بالدور المحتمل للولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة مشغولة بالانتخابات الرئاسية وليس لديها نية لاتخاذ أي إجراء سياسي هام لإنهاء الاحتلال.

لذلك نحن أمام حالة جديدة من الصراع يشعر فيها الجيل الفلسطيني الشاب أنه لا يوجد أي احتمال لأي حل سياسي، وبالتالي فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو المزيد من العنف والحرب، مما يعكس الإحباط الشديد للفلسطينيين، دون أن يؤدي إلى عملية سياسية على المدى القصير.

ولكن على المدى الطويل، سيدفع البعد الديمغرافي بشكل إيجابي لصالح الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة.

 

حماس هي أيديولوجية، وهي موجودة في أحلام الناس!

 

لقد استعاد الفلسطينيون الآن قضيتهم على الساحة الدولية، مما يشير إلى أنه لا عودة إلى الوضع قبل 7 أكتوبر 2023.

قد ينجح نتنياهو في كسب تأييد المعارضة الإسرائيلية على المدى القصير، لكن إسرائيل خسرت الكثير، سواء من حيث صورتها المتفوقة عسكريا أو في محاولة إبقاء الجانب الفلسطيني خارج المعادلة وإعطاء الانطباع بأن السلام ممكن دون التوصل إلى اتفاق مع الشعب الفلسطيني.

كما فقدت إسرائيل  بعض دعمها وتأييدها الدوليين. ويظهر جميع  الفنانين والأكاديميين والمحامين الذين يشاركون   في الحملات والمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في جميع المدن الغربية  ، وآخرها في كوبنهاغن وجميع المدن الرئيسية في الدنمارك مع أكبر مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في  التاريخ الدنماركي في 19.11.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من الإسرائيليين لا يؤمنون بقدرة جيشهم وقيادتهم على “تدمير حماس”، وأكثرهم وضوحا ربما إيهود باراك، رئيس الوزراء السابق، الذي قال “لا يمكننا القضاء على حماس تماما، حماس أيديولوجية وهي موجودة في أحلام الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم”!!

بعد أحداث العنف في الأيام ال 50 الماضية وردود الفعل الدولية الشعبية، قد يتساءل المرء بحق عما إذا كانت إسرائيل قد تجاوزت  نقطة اللاعودة، كما كتب آري شافيت في عام 2016، أو ما إذا كانت هناك إمكانية للوصول لتسوية  لإنهاء الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بدون تدمير غزة؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بالفعل استعاد الفلسطينيون اليوم قضيتهم على الساحة الدولية واستطاعوا كسب الرأي العام الغربي الذي بدأ يفهم ماهية القضية الفلسطينية بعيدا عن الدعاية الإسرائيلية التي فشلت هذه المرة في تلميع صورة دولة الفصل العنصري الغاصبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى