آخر معقل للاستعمار الاستيطاني: الفصل العنصري في إسرائيل
إن اندلاع الحرب الحالية في غزة بين المضطهدين الإسرائيليين و المضطهَدين الفلسطينيين يسبقه 75 عاما من التطهير العرقي للفلسطينيين من قبل إسرائيل بكثافة متفاوتة.
الأراضي العربية التي تسمى اليوم فلسطين وإسرائيل والأردن وغيرها كانت مستعمرات بريطانية حتى عام 1947.
في عام 1917، أصدرت الحكومة البريطانية “وعد بلفور“، معلنة دعمها لإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.
كان السكان اليهود في بداية القرن العشرين يمثلون 3٪ من سكان فلسطين يعيشون بسلم مع 87٪ مسلمين و 9٪ مسيحيين.
المزيد من الحروب
في عام 1936، بدأت الثورة الفلسطينية الأولى ضد البريطانيين الذين نقلوا اليهود من أوروبا إلى فلسطين.
و منذ ذلك الحين بدأت الحروب – المتواصلة حتى الان – في فلسطين.
ومع التصعيد في الحرب الجديدة، تبقى الأصوات صامتة وخجولة في الأمم المتحدة، حيث دعا القادة الغربيون وبعض العرب إلى الهدوء من كلا الجانبين, كما لو كانا طرفان متساويان. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد, حيث أعلن القادة الغربيون دعمهم غير المشروط ل “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، و كأن رد الفعل الفلسطيني على القمع جاء كمفاجأة كبيرة، او ان هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها أي تحرك ضمن النضال التحرري الفلسطيني.
هل الحرب التي نشهدها الآن هي صدام عنيف آخر لا يمكن السيطرة عليه بين شعب أصلي ، سحقته القوة الاستعمارية ، مدفوعة بإحساس المستوطنين بحق ديني مقدس وفريد في الأرض لأنهم مختارون من قبل الله, أم أننا نشهد بداية نهاية مائة عام من النضال، مع الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن وطنه ضد المشروع الصهيوني الذي يستمر في سلب أرضه وتحويلهم إلى غرباء في المكان الذي كان وطنهم منذ قرون؟
وفي ذات الوقت علينا ان نتوقع في السنوات المقبلة المزيد من إراقة الدماء والموت والغضب والحزن والظلم والتدخل الجيوسياسي المستمر.
وما أوضحته هذه الأحداث هو أنه على الرغم من استمرار الاضطهاد، فإن روح المقاومة بين الفلسطينيين تزداد حدة. إنهم يرفضون الخضوع ، بغض النظر عن مدى شدة المآسي التي يواجهونها.
كما ان الأحداث في غزة كشفت عن أن إسرائيل لم تعد تتظاهر بقبول بدائل للاستعمار الاستيطاني الكامل للأرض الفلسطينية بأكملها، حتى لو تطلب ذلك إعادة تهجير وتوطين الفلسطينيين في مكان اخر أو تطبيق نسخة مسلحة من نظام الفصل العنصري.
الصواريخ الدفاعية و الصواريخ الإرهابية
بالنسبة للإسرائيليين والكثير في الغرب، تبقى الرواية الأساسية هي عنف منظمة إرهابية (حماس) التي تتحدى وتمارس الإرهاب ضد دولة إسرائيل المسالمة والديمقراطية ، مما يجعل رد إسرائيل ردا مقنعا.
إن اسرائيل تعمل على التصدي للصواريخ الإرهابية من غزة ويوجهون درسا عقابيا قاسيا بتوجيه صواريخ دفاعية ضد سكان غزة لردع الهجمات الإرهابية في المستقبل.
في الحرب الحالية، تمكنت إسرائيل من السيطرة على الخطاب الدولي من خلال إخراج العنف المتصاعد من المعادلة السياسية وجعل الناس ينسون ما يدور حوله 75 عاما من النضال التحرري ضد الاستعمار الاستيطاني، مما دفع أولئك الذين لا يعرفون سوى القليل عن سبب إطلاق صواريخ حماس إلى الاعتقاد خطأ بأن الدمار في غزة كان انتقاما إسرائيليا على مئات الصواريخ التي أطلقتها حماس.
الفصل العنصري ابارتهايد
وخلافا لجنوب أفريقيا، التي لم تدع قط أنها ديمقراطية، تضفي إسرائيل الشرعية على نفسها من خلال تقديم نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
يتطلب الأمر الكثير من الخداع وخداع الذات للحفاظ على هذا الوهم والكثير من الجهد في الدعاية لجعل الفصل العنصري يبدو وكأنه ضمان لأمن وسلامة اليهود بينما يعمل بنفس الوقت على اخفاء ممارسات اضطهاد الفلسطينيين.
وعلى مدى عقود، نجحت إسرائيل في اخفاء الفصل العنصري عن العالم بسبب إرث محرقة الهولوكوست، التي وفرت غطاء غربي استعماري للرواية الصهيونية عن الحاجة إلى إيواء الناجين من هذه المحرقة.
كما نجح الوجود اليهودي في فلسطين من خلال اللجوء الى أفضل أسلوب استعماري في تصوير الانسان الفلسطيني على أنه إنسان متخلف ، على عكس الحداثة الإسرائيلية. وأدى ذلك إلى وصم الطائفتين: من جهة، يهودي يعتنق القيم الغربية، ومن جهة أخرى، فلسطيني يعتنق الإرهاب.
’وجاء آخر وصف للفلسطينيين من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عندما أعلن في 9 تشرين الأول/أكتوبر: “نحن نحارب الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقا لذلك”.
اتهامات دولية بالفصل العنصري الاسرائيلي
أدت التطورات في المجال السياسي الرمزي إلى بعض الانتصارات للنضال الفلسطيني.
سمحت المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق في الجرائم الإسرائيلية في فلسطين منذ عام 2015، على الرغم من المعارضة القوية من إسرائيل والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، حددت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية اليهودية والدولية من التقارير حول دولة إسرائيل والأراضي المحتلة أن إسرائيل هي نظام فصل عنصري.
قالت الأمينة العامة للإسكوا ريما خلف في عام 2017 إن إسرائيل دولة عنصرية أقامت نظام فصل عنصري يضطهد الشعب الفلسطيني.
أصدرت بتسيلم، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية رائدة في مجال حقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش تقارير توصلت إلى نفس النتيجة: تدير إسرائيل نظام فصل عنصري في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك إسرائيل نفسها.
وفي حين أن هذه الانتصارات الرمزية لا تخفف من معاناة الفلسطينيين، إلا أنها انتصارات مهمة ترفع من معنويات المقاومة الفلسطينية ضد الفصل العنصري الإسرائيلي.
نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قد تشير إلى مستقبل للفلسطينيين
وعلى الرغم من السيطرة الفعلية على الأغلبية الأفريقية من خلال بنية الفصل العنصري الوحشية، انهار نظام الفصل العنصري الافريقي من الداخل تحت وطأة المقاومة الداخلية والتضامن الدولي. وشملت الضغوط الخارجية حملة مقاطعة جنوب أفريقيا التي حظيت بدعم واسع وتأييد من الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست جنوب أفريقيا في عدد من النقاط الرئيسية، فإن الجمع و التشابه بين محاربة العزل العنصري في جنوب افريقا و النضال الفلسطيني من أجل التحرير والمقاومة والتضامن, قد تزايد في الآونة الأخيرة.
رئيس الأساقفة الجنوب افريقي ديزموند توتو قارن معاملة إسرائيل للفلسطينيين بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
“لقد كنت شاهدا على الإذلال المنهجي للرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين من أفراد قوات الأمن الإسرائيلية”، كما قال في بيان في عام 2014. مضيفا “إن إذلالهم معروف جيدا لجميع السود في جنوب أفريقيا الذين تعرضوا للمضايقة والإهانة والاعتداء من قبل قوات الأمن الحكومية العنصرية”.
إن شعور إسرائيل بالضعف تجاه سيناريو جنوب إفريقيا واضح في هذا الميل المتزايد لوصف منتقدي إسرائيل بمعاداة السامية من أجل إسكاتهم.
“حريتنا غير مكتملة“
“Our freedom is incomplete”
“قد يكون إرهابيو الأمس رؤساء دول الغد أو حلفاء”، كما يقول مثل سياسي قديم.
وأوضح مثال على ذلك: نيلسون مانديلا، الذي لم يتم حذف اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكية إلا قبل أيام قليلة من عيد ميلاده التسعين في عام 2013، قبل وقت قصير من وفاته.
وكانت الولايات المتحدة قد اضافت مانديلا ومنظمته ، المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) ، إلى قائمة الإرهاب في ثمانينيات القرن العشرين. وفي الفترة الفاصلة ، تم إلغاء الفصل العنصري ، وانتخب مانديلا ديمقراطيا رئيسا لجنوب إفريقيا وحصل على جائزة نوبل للسلام.
وفي خطاب ألقاه في عام 1997 بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أكد مانديلا من جديد دعمه للحقوق الفلسطينية.
“نحن نعلم جيدا أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين“.
ربما يكون من المناسب أيضا التذكير بمقولة غاندي الشهيرة في هذا الصدد
: “أولا يتجاهلونك ، ثم يسخرون منك ، ثم يقاتلونك ، ثم تنتصر.”
Bosætterkolonialismens sidste bastion: Israel (arbejderen.dk)